فصل: تفسير الآية رقم (187):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} وحتى إن كنت لا تمتلك ولا تعطي أفلا تحث من عنده أن يُعطي؟ أنت ضنين حتى بالكلمة، فمعنى تحض على طعام المسكين أي تحث غيرك.. فإذا كنت تضن حتى بالنصح فكيف تقول إن المال كرامة والفقر إهانة؟.. {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا} أي تأكلون الميراث وتجمعون في أكلكم بين نصيبكم من الميراث ونصيب غيركم دون ان يتحرّى الواحد منكم هل هذا المال حلال أو حرام.. فإذا كانت المسألة هكذا فكيف يكون إيتاء المال تكريمًا وكيف يكون الفقر إهانة؟.. لا هذا ولا ذاك.
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} والذي يقول هذا الكلام: هو الله، إذن لابد أن يتحقق- فيارب أنت قلت لنا: إن هذا سيحصل وقولك سيتحقق، فماذا اعطيتنا لنواجه ذلك؟- اسمعوا العلاج: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.. تصبر على الإبتلاء في المال، وتصبر على الابتلاء في النفس، وتصبر على أذى المعسكر المخالف من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا، إن صبرت فإن ذلك من عزم الأمور، والعزم هو: القوة المجتمعة على الفعل. فأنت تنوي أن تفعل، وبعد ذلك تعزم يعني تجمع القوة، فقوله: {فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} أي من معزوماتها التي تقتضي الثبات منك، وقوة التجميع والحشد لكل مواهبك لتفعل.
إذن فالمسألة امتحان فيه ابتلاء في المال، وابتلاء في النفس وأذى كثير من الذين أشركوا ومن الذين أوتوا الكتاب، وذلك كله يحتاج إلى صبر، والصبر- كما قلنا- نوعان: صبر على وصبر عن، ويختلف الصبر باختلاف حرف الجر، صبر عن شهوات نفسه التي تزين للإنسان أن يفعل هذه وهذه، فيصبر عنها، والطاعة تكون شاقة على العبد فيصبر عليها، إذن ففي الطاعة يصبر المؤمن على المتاعب، وفي المعصية يصبر عن المغريات.
و{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} توضح أنه لا يوجد لك غريم واضح في الأمر، فالآفة تأتي للمال، أو الآفة تأتي للجسد فيمرض، فليس هنا غريم لك قد تحدد، ولكن قوله: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} فهذا تحديد لغريم لك. فساعة ترى هذا الغريم فهو يهيج فيك كوامن الانتقام. فأوضح الحق: إياك أن تمكنهم من أن يجعلوك تنفعل، وأَجِّلْ عملية الغضب، ولا تجعل كل أمر يَسْتَخِفّك. بل كن هادئا، وإياك أن تُسْتَخَفَّ إلا وقت أن تتيقن أنك ستنتصر، ولذلك قال: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.
واتقوا مثل اتقوا الله أي اتقوا صفات الجلال وذلك بأن تضع بينك وبين ما يغضب الله وقاية. عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة ببني الحارث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مرّ على مجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم ابن أُبَيّ، وإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان وأهل الكتاب اليهود والمسلمين وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمَّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء أنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا فلا تُؤْذنا في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك، فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا سعد ألم تسمع إلى ما قاله أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي، قال: كذا وكذا فقال سعد: يا رسول الله اعفُ عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم». اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{لَتُبْلَوُنَّ} استئناف لإيقاظ المؤمنين إلى ما يعترض أهل الحقّ وأنصار الرسل من البلوى، وتنبيه لهم على أنّهم إن كانوا ممّن توهنهم الهزيمة فليسوا أحرياء بنصر الحقّ، وأكّد الفعل بلام القسم وبنون التوكيد الشديدة لإفادة تحقيق الابتلاء، إذ نون التوكيد الشديدة أقوى في الدلالة على التوكيد من الخفيفة.
فأصل {لتبلونّ} لتبلووننّ فلمّا توالى ثلاث نونات ثقل في النطق فحذفت نون الرفع فالتقى ساكنان: واو الرفع ونون التوكيد الشديدة، فحذفت واو الرفع لأنّها ليست أصلًا في الكلمة فصار لتبْلَوُنّ.
وكذلك القول في تصريف قوله تعالى: {ولتسمعنّ} وفي توكيده.
والابتلاء: الاختبار، ويراد به هنا لازمه وهو المصيبة، لأنّ في المصائب اختبارًا لمقدار الثبات.
والابتلاء في الأموال هو نفقات الجهاد، وتلاشي أموالهم التي تركوها بمكّة.
والابتلاء في الأنفس هو القتل والجراح.
وجمع مع ذلك سماع المكروه من أهل الكتاب والمشركين في يوم أُحُد وبعده.
والأذى هو الضرّ بالقول كقوله تعالى: {لن يضروكم إلا أذى} [آل عمران: 111] كما تقدّم آنفًا، ولذلك وصفه هنا بالكثير، أي الخارج عن الحدّ الذي تحتمله النفوس غالبًا، وكلّ ذلك ممّا يفضي إلى الفشل، فأمَرَهم الله بالصبر على ذلك حتّى يحصل لهم النصر، وأمرهم بالتقوى أي الدوام على أمور الإيمان والإقبال على بثّه وتأييده، فأمّا الصبر على الابتلاء في الأموال والأنفس فيشمل الجهاد، وأمّا الصبر على الأذى ففي وقتى الحرب والسلم، فليست الآية مقتضية عدم الإذن بالقتال من حيث أنه أمرهم بالصبر على أذى الكفّار حتّى تكون منسوخة بآيات السيف، لأنّ الظاهر أنّ الآية نزلت بعد وقعة أُحُد، وهي بعد الأمر بالقتال.
قاله القفّال.
وقوله: {فإن ذلك} الإشارة إلى ما تقدّم من الصبر والتقوى بتأويل: فإنّ المذكور.
و{عزم الأمور} من إضافة الصفة إلى الموصوف أي الأمور العَزم، ووصفَ الأمور وهو جمع بعزم وهو مفرد لأنّ أصل عزم أنه مصدر فيلزم لفظه حالة واحدة، وهو هنا مصدر بمعنى المفعول، أي من الأمور المعزوم عليها.
والعزم إمضاء الرأي وعدم التردّد بعد تبيين السداد.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله: {لتبلون...} الآية قال: أعلم الله المؤمنين أنه سيبتليهم، فينظر كيف صبرهم على دينهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعره، ويهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب} يعني اليهود والنصارى، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم: عزير ابن الله. ومن النصارى قولهم: المسيح ابن الله. وكان المسلمون ينصبون لهم الحرب، ويسمعون إشراكهم بالله {وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} قال: من القوّة مما عزم الله عليه وأمركم به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وإن تصبروا وتتقوا...} الآية. قال: أمر الله المؤمنين أن يصبروا على من آذاهم رغم أنهم كانوا يقولون: يا أصحاب محمد لستم على شيء، نحن أولى بالله منكم، أنتم ضلال. فأمروا أن يمضوا ويصبروا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إن ذلك من عزم الأمور} يعني هذا الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {من عزم الأمور} يعني من حق الأمور التي أمر الله تعالى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (187):

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما قدم سبحانه وتعالى في أوائل قصص اليهود أنه أخذ على النبيين الميثاق بما أخذ، وأخبرهم أنه من تولى بعد ذلك فهو الفاسق، ثم أخبر بقوله: {قد جائكم رسل من قبلي} [آل عمران: 183] {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} [آل عمران: 184] أن النبيين وفوا بالعهد، وأن كثيرًا من أتباعهم خان؛ ثنى هنا بالتذكير بذلك العهد على وجه يشمل العلماء بعد الأخبار بسماع الأذى المتضمن لنقضهم للعهد، فكان التذكير بهذا الميثاق كالدليل على مضمون الآية التي قبلها، وكأنه قيل: فاذكروا قولي لكم {لتبلون} واجعلوه نصب أعينكم لتوطنوا أنفسكم عليه، فلا يشتد جزعكم بحلول ما يحل منه {و} اذكروا {إذ أخذ الله} الذي لا عظيم إلا هو {ميثاق الذين}.
ولما كانت الخيانة من العالم أشنع، وكان ذكر العلم دون تعيين المعلم كافيًا في ذلك بنى للمجهول قوله: {أوتوا الكتاب} أي في البيان، فخافوا فما آذوا إلا أنفسهم، وإذا آذوا أنفسهم بخيانة عهد الله سبحانه وتعالى كانوا في أذاكم اشد وإليه أسرع، أو يكون التقدير: واذكروا ما أخبرتكم به عند ما أنزله بكم، واصبروا لتفوزوا، واذكروا إذ اخذ الله ميثاق من قبلكم فضيعوه كيلا تفعلوا فعلهم، فيحل بكم ما حل بهم من الذل والصغار في الدنيا مع ما يدخر في الآخرة من عذاب النار.
هذا ما كان ظهر لي أولًا، ثم بان أن الذي لا معدل عنه أنه لما انقضت قصة أحد وما تبعها إلى أن ختمت بعد الوعظ بتحتم الموت الذي فر من فر منهم منه وخوّف الباقين أمره بمثل ما تقدم أن جعلها دليلًا عليه من بغض أهل الكتاب وما تبعه؛ عطف على إذا المقدرة لعطف {وإذ غدوت} [آل عمران: 121] عليها- قوله: {وإذ أخذ الله} أي اذكروا ذلك يدلكم على عداوتهم، واذكروا ما صح عندكم من إخبار الله تعالى المشاهد بإخبار من أسلم من الأحبار والقسيسين أن الله أخذ {ميثاق الذين أوتوا الكتاب} أي من اليهود والنصارى بما أكد في كتبه وعلى ألسنة رسله: {ليبيننه} أي الكتاب {للناس ولا يكتمونه} أي نصيحة منهم لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المؤمنين وعامتهم ليؤمنوا بالنبي المبشر به {فنبذوه} أي الميثاق بنبذ الكتاب {وراء ظهورهم} حسدًا لكم وبغضًا، وهو تمثيل لتركهم العمل به، لأن من ترك شيئًا وراءه نسيه {واشتروا به} ولما كان الثمن الذي اشتروه خسارة لا ربح فيه أصلًا على العكس مما بذلوه على أنه ثمن، وكان الثمن إذا نض زالت مظنة الربح منه عبر عنه بقوله: {ثمنًا} وزاد في بيان سفههم بقوله: {قليلًا} أي بالاستكثار من المال والاستئمار للرئاسة، قكتموا ما عندهم من العلم بهذا النبي الكريم {فبئس ما يشترون} أي لأنه مع فنائه أورثهم العار الدائم والنار الباقية، وعبر عن هذا الأخذ بالشراء إعلامًا بلجاجهم فيه، ونبه بصيغة الافتعال على مبالغتهم في اللجاج. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في كيفية النظم وجهين:
الأول: أنه تعالى لما حكى عن اليهود شبها طاعنة في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وأجاب عنه أتبعه بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى أوجب عليهم في التوراة والإنجيل على أمة موسى وعيسى عليهما السلام، أن يشرحوا ما في هذين الكتابين من الدلائل الدالة على صحة دينه وصدق نبوته ورسالته، والمراد منه التعجب من حالهم كأنه قيل: كيف يليق بكم إيراد الطعن في نبوته ودينه مع أن كتبكم ناطقة ودالة على أنه يجب عليكم ذكر الدلائل الدالة على صدق نبوته ودينه.
الثاني: أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة على محمد صلى الله عليه وسلم احتمال الأذى من أهل الكتاب، وكان من جملة ايذائهم للرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يكتمون ما في التوراة والإنجيل من الدلائل الدالة على نبوته، فكانوا يحرفونها ويذكرون لها تأويلات فاسدة، فبين أن هذا من تلك الجملة التي يجب فيها الصبر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب} هذا متّصل بذكر اليهود؛ فإنهم أمِروا بالإيمان بمحمد عليه السلام وبيانِ أمره، فكتموا نعته.
فالآية توبيخ لهم، ثم مع ذلك هو خبر عام لهم ولغيرهم.
قال الحسن وقتادة: هي في كل من أُوتي عِلم شيء من الكتاب.
فمن عَلم شيئًا فليُعلِّمه، وإيّاكم وكتمانَ العلم فإنه هَلكة.
وقال محمد بن كعب: لا يحلّ لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله؛ قال الله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب} الآية.
وقال: {فاسئلوا أَهْلَ الذكر إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].
وقال أبو هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدّثتكم بشيء؛ ثم تلا هذه الآية: {وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الذين أُوتُواْ الكتاب}.
وقال الحسن بن عمارة: أتيت الزُّهرِي بعد ما ترك الحديث، فألفيتُه على بابه فقلت: إن رأيتَ أن تحدثني.
فقال: أمَا علمتَ أني تركتُ الحديث؟ فقلت: إمّا أن تُحدّثني وإمّا أن أُحدّثك.
قال حدّثني.
قلت: حدّثني الحَكَم ابن عُتَيبة عن يحيى بن الجزار قال سمعت عليّ بن أبي طالب يقول: ما أخذ الله على الجاهلين أن يتعلّموا حتى أخذ على العلماء أن يُعلِّموا.
قال: فحدّثني أربعين حديثًا. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو بكر وعاصم وأبو عمرو {ليبيننه ولا يكتمونه} بالياء فيهما كناية عن أهل الكتاب، وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب الذي كان حاصلا في وقت أخذ الميثاق، أي فقال لهم: لتبيننه، ونظير هذه الآية قوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاق بَنِى إسراءيل لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله} [البقرة: 83] بالتاء والياء وأيضا قوله: {وَقَضَيْنَا إلى بَنِى إسراءيل في الكتاب لَتُفْسِدُنَّ في الأرض} [الإسراء: 4]. اهـ.